النص المُحقق
مقدمة الشيخ الجمزوري
بسم الله الرحمن الرحيم
(وبه نستعين)
الحمدُ لله الذي (أنزل الفرقان) على عبده تنزيلاً، وقال (له): ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل: 4]، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمد المنزَّل عليه: ﴿ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ﴾ [القلم: 1]، الذي نوَّنت له الغزالةُ بصوت رخيم سَمِعه الحاضرون، وعلى آلِه وأصحابه (المُهتدين) منه بتُحفة الأمداد، وعلى أتباعه الذين (قَصَروا همَّهم على اتِّباعه)، ففازوا بكلِّ المراد، صلاةً وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم التَّناد.
وبعد:
فقدْ طلب مني بعضُ الأحباب أن أعْمَل له شرحًا لطيفًا مختصرًا على نظْمي المُسمَّى بـ: (تحفة الأطفال)، فأجبتُه (لذلك) بأحسن جواب، راجيًا مِن الله أن يُوفِّقني له أحسن التوفيق، وأن يَهديني به لأقومِ طريق، وجعلتُ أصله شرْح ولدِ شيخنا محمد الميهي - نظر الله إلينا وإليه - واعتمدتُ فيما تركتُه مِن هذا الشرْح عليه؛ لأنِّي اقتصرتُ فيه على مُجرَّد (سرد) الأحكام، مريدًا بذلك بلوغَ المرام، وأن ينتفع به الخاصُّ والعام، وسميتُه: "فتْح الأقفال بشرح تُحفة الأطفال"، وقُلتُ مستعينًا بالقدير السميع العليم:
(بسم الله الرحمن الرحيم)
أي: أنظِم الأشياء الآتية متبرِّكًا (بسم الله الرحمن الرحيم)، وابتدأتُ بالبسملة والحمدلة - كما يأتي - اقتداءً بالكتاب العزيز، وعملاً (بالأحاديث) الواردة، ولا يخفَى ما في البسملة والحمدلة ممَّا لا نُطيل بذِكْره؛ اقتصارًا على (ما ذكَرَه) في الأصل.
يَقُولُ رَاجِي رَحْمَةِ الْغَفُورِ
![]()
دَوْمًا سُلَيْمَانُ هُوَ الجَمْزُورِي
![]()
الْحَمْدُ للَّهِ مُصَلِّيًا عَلَى
![]()
مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَمَنْ تَلاَ
![]() |
أي: يقول مؤمِّل إحسان ربِّه الغفور؛ أي: كثير المغفرة؛ أي: الستر على الخطايا، فلم يؤاخِذْ عليها دائمًا.
سُليمان بن حُسين بن مُحمد الجمزوري: بالميم بعدَ الجيم - كما ذكره الشعراني في طبقاته - الشهير بـ(الأفندي):
(الحمد لله)؛ أي: الثناء الحسن ثابتٌ بالاختصاص له تَعالى (لا يُشارِكه) فيه غيرُه إلا على طريقِ المجاز.
(مصلِّيًا)؛ أي: طالبًا مِن الله أن (يَزيد) رحمتَه المقرونة بالتعظيم على سيِّدنا محمد الذي يحمده أهلُ السموات (وأهل) الأرض، وعلى آله (الأوَّلين والآيلين)، والمراد بهم هُنا الذين آمنوا به فيعمُّ الصَّحْب.
(ومَن تلا)؛ أي: (تَبِع) النبيَّ وأصحابَه.
وَبَعْدُ هَذَا النَّظْمُ لِلْمُرِيدِ
![]()
فِي النُّونِ والتَّنْوِينِ وَالْمُدُودِ
![]() |
أي: وبعدَ ما تقدَّم مِن حمد الله الأتَم، والصلاة والسلام على نبيه الأعْظَم، (هذا) النظم؛ أي: المنظوم (أو) هو باقٍ على معناه مبالغةً، جمعتُه (للمريد)؛ أي: الطالِب، وهو في (أحكام النون الساكنة والتنوين، وفي) أحكام المدود، وغير ذلك مِن أحكام الميم الساكنة ولامِ التعريف ولام الأفعال.
أي: سميتُ هذا النظم بـ(تحفة الأطفال)؛ أي: (أتحفهم بالشيء الحَسَن)، والمراد هنا الأحكام الآتية، والأطفال: جمْع طِفل، والمراد (به): من لم يَبْلُغِ الحُلم (أو المراد): (الأطفال) مثلي في هذا الفنِّ، ناقلاً له عن شيخِنا الإمام العالِم العلاَّمة، الحبر (البحر) الفهَّامة، سيِّدي وأستاذي الشيخ نور الدين علي بن عمر بن (أحمد) بن عُمر بن ناجي بن (قيس) الميهي - أدام الله النفعَ بعُلومه.
وذي الكمال؛ أي: التَّمام في الذَّات والصِّفات، وسائرِ الأحْوال الظاهِرة والباطِنة فيما يَرْجِع للخالِق والمخلوق.
أَرْجُو بِهِ أَنْ يَنْفَعَ الطُّلاَّبَا
![]()
وَالأَجْرَ وَالْقَبُولَ وَالثَّوَابَا
![]() |
أي: (آمل)
مِن الله تعالى أن ينفعَ بهذا النظم الطُّلاب: - بضم الطاء - جمع طالب، أو
جمع طَلاَّب بفتح الطاء مبالغةً في طالب، والطالب يشمل المُبتدي والمنتهي
والمتوسِّط، وهو المُريد المُتقدِّم، وأرجو به مِنَ الله
تعالى الأجْر - وسيأتي معناه - والقَبول، وهو: ترتيب الغرَض المطلوب
للداعي على دُعائه، كترتيبِ الثواب على الطاعة، والإسعاف بالمطلوب، (والثَّوَابَا) بألف الإطلاق، وهو مقدارٌ من (الخير) يعلمه الله تعالى يتفضَّل (بإعطائه لمَن) يشاء مِن عباده في نظيرِ أعمالهم الحَسَنة.
قال الشِّهاب في "شرح الشفاء":
"والأجْر والثَّواب بمعنًى واحد، وفد يُفرِّق بينهما بأنَّ الأجْر ما كان
في مُقابلةِ العمل، والثواب ما كان تفَضُّلاً وإحسانًا مِن الله تعالى،
ويُستعمَل كُلٌّ منهما بمعنَى الآخَر (والله أعلم)؛ ا.هـ.
* رَحْمَة: هكذا بالكسر، ولا يجوز نصبُها؛ لأنَّ ذلك يستلزم تنوينَ (راجي)، وسيؤدي ذلك لمخالفة ما سطَّره ورسمه الناظم.
قال الشيخ الضباع - رحمه الله -: (ولولا كتابةُ الياء في (راجي) لجاز تنوينُها، ونصب (رحمة، مفعولاً به) ا. هـ.
* قوله: (ذي الكمال) هذا مبالغةٌ من الناظم في مدح شيخه، وقد تعقَّبْناه في
الشرح بما يَليق، ونقلتُ اقتراح بعض طلاَّب العلم بجعْل البيت:
سَمَّيْتُهُ بِ: تُحْفَةِ الأَطْفَالِ
![]()
عَنْ شَيْخِنَا المِيهِيِّ ذِي الجَمَالِ
![]() |
* (فلتعرف): ضبطت أيضًا بالياء بناء للمفعول (فليُعرف)، قال الإمام محمد
الميهيُّ، والشيخ الضبَّاع: (بالبناء للمفعول أو للفاعل)، والأشهر بالبناء
للفاعِل كما أثبتناه في المتن.
* (يرمُلون): بضم الميم من رَمَل يرمُل.
* (عُلِمَا): قال الميهيّ والشيخ الضباع: (بالإشباع مبني للمفعول).
* تدغم: بكسر الغين كما ضبَطها الشيخ الجمزوري، والشيخ محمد الميهي.
* وفي بعض النسخ: وَرَمْزُهُ (رَلَّ فَأَتْقِنَنَّهْ).
* (الشفْوي): بسكون الفاء؛ لأنَّ التحريك يجعل البيت من بحرِ الكامل، قال الشيخ الجمزوري: (في النَّظْم بسكون الفاء للضرورة).
* (شفْوية): بسكون الفاء للضرورة - كما تقدَّم.
* (ورمزَها): بفتح الزاي، مفعول مُقدَّم لقوله: (فَعِ).
* قمْرية: قال الإمام الجمزوريُّ: بسكون الميم للضرورة.
* واللام الاُولَى، واللام الاُخْرَى، قال الإمام الجمزوري: (بنقْل حركة الهمزةِ إلى الساكن قبلَها).
* (مقاربين) هكذا كُتِبت في المخطوطة، قال الشيخ الضباع: (حُذِفت التاء في النَّظْم للضرورة).
* (غير): بالرفع نعت لأي، وبالجر نعت لحرف.
*(فالطبيعي): قال الشيخ الضباع: بالنصب خبر يكون مقدم عليه، أي: فيصير هو الطبيعي.
* (سبب) قال الإمام الجمزوري: (بسكون الباء الثانية للضرورة).
* (ألف) قال الإمام الجمزوري: (وألف في النظم بسكون اللام للتخفيف ضرورة).
* (واللين) قال الإمام الجمزوري: (اللين بفتح اللام إن لم تُضَف كما هنا،
وبكسرها إنْ أضيفت)، وضبطها الشيخ الضباع بكسر اللام على تقدير الإضافة؛ أي
وحرفا اللين.
* (تدوم) و(اللزوم) يُقرأان في البيت بسكون الميم، كما ضبطهما الشيخ محمد الميهي، والشيخ الضباع.
* (بمُتَّصِلْ) قال الإمام الجمزوري: (متصل في النظم بسكونِ اللام للضرورة).
* (الثلاثي) قال الشيخ الضباع: (بسكون الياء خفيفة للوزن).
* ما بين القوسين زيادة من (أ)، ولم يورد القاضي في نسخته البسملة أصلاً، ولا الزيادة.
* في (أ) و (د)، ومطبوع الضباع: (نزل).
* ما بين القوسين في المخطوط (د): (القرآن).
* ما بين القوسين في (أ)، و(د)، وهو ساقطٌ من جميع النُّسخ ومطبوعة القاضي.
* وردتْ هذه القصَّة من طُرق عديدة جمعَها السيوطي في (الخصائص الكبرى)،
وكلها لا يخلو مِن ضَعْف، ولا يصلح أن تتقوَّى ببعضها؛ نظرًا لضعف أفرادها
الشديد، وقد اشترط العُلماءُ في تقويةِ الحديث بمجموع الطرق ألاَّ يشتدَّ
ضعفُها، وإليك البيان.
1 - حديث أم سلمة - رضي الله عنها -:
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (23/331) ح 763.
عن أم
سلمة، قالت: كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الصحراء، فإذا
منادٍ يناديه: يا رسولَ الله، فالتفت، فلم يَرَ أحدًا، ثم التفتَ فإذا ظبية
موثقة، فقالت: ادنُ مني يا رسولَ الله، فدَنا منها، فقال: حاجتَك؟ قالت:
إنَّ لي خشفين في ذلك الجبل فحُلَّني حتى أذهب، فأرضعهما، ثم أرجع إليك،
قال: وتَفعلين؟ قالت: عذَّبني الله بعذاب العشار إنْ لم أفعل، فأطلَقها
فذهَبَتْ، فأرضعتْ خشفيها، ثم رجعتْ، فأوثقها، وانتبه الأعرابيُّ، فقال: لك
حاجةٌ يا رسولَ الله؟ قال: نعم، تُطلق هذه، فأطلَقها، فخرجتْ تعْدُو، وهي
تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأنَّك رسولُ الله.
في إسناده أغلب بن تميم:
قال عنه
الذهبي في "المُغني في الضعفاء" (1/93) ترجمة 778: (قال البخاري: مُنكَر
الحديث) ا.هـ، وقال الذهبي - رحمه الله - في (ميزان الاعتدال 1/ 6 ترجمة 3:
(ونقَل ابن القطان أنَّ البخاري قال: كلُّ مَن قُلتُ فيه: مُنكر الحديث:
فلا تحلُّ الرواية عنه)؛ ا.هـ.
2 - حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -:
أخرَجه
الطبراني في (المعُجم الأوسط) (6/ 21) ح (5547) عن أنس بن مالك، قال: مرَّ
رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على قومٍ قد صادوا ظبية، فشدُّوها
إلى عمودِ الفسطاط، فقالت: يا رسولَ الله، إني وضعتُ ولي خَشَفَان، فاستأذن
لي أن أُرْضِعهما، ثم أعود إليهم، فقال: أين صاحبُ هذه؟ فقال القوم: نحن
يا رسولَ الله، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: خَلُّوا عنها
حتى تأتيَ خشفيها تُرضعهما، وتأتي إليكم، قالوا: ومَن لنا بذلك يا رسولَ
الله؟ قال: أنا، فأطْلَقوها فذهبَتْ فأرضعت، ثم رجعتْ إليهم، فأوثقوها،
فمرَّ بهم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: أين أصحابُ هذه؟ قالوا:
هو ذا نحن يا رسولَ الله قال: تبيعونها؟ قالوا: يا رسولَ الله، هي لك،
فخلُّوا عنها، فأطلَقَها فذهبَتْ.
قال الطبرانيُّ: لم يروِ هذا الحديث عن ثابتٍ إلا صالحٌ المري، تفرَّد به عبدالكريم بن هلال.
قُلت: وصالح هو ابن بشير المري، تركه النسائي وأبو داود، وهو مُتَّفق على ضعْفه.
وعبدالكريم
بن هلال، قال عنه الذهبي - رحمه الله - في "المغني في الضعفاء" 2/ 402
ترجمة 3786: "لا يُدرَى مَن هو؛ قاله الأزدي) ا.هـ.
3- حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -:
أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" (6/ 34).
عن أبي
سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: مرَّ رسولُ الله - صلَّى الله عليه
وسلَّم - بظبية مربوطة إلى خباء، فقالت: يا رسولَ الله، حلَّني حتى أذهبَ
فأرضع خشفي، ثم أرجع فتربطني، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
صَيْد قومٍ وربيطة قوم، قال: فأَخَذ عليها فحلَفَتْ له فحلَّها، فما مكثت
إلا قليلاً حتى جاءتْ وقد نفضتْ ما في ضَرْعها، فربطها رسولُ الله ثم أتى
خباء أصحابها فاستوهَبَها منهم فوهبوها له، فحلَّها؛ ثم قال رسولُ الله -
صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لو علمتِ البهائم مِنَ الموت ما تَعْلمون ما
أكلتُم منها سمينًا أبدًا)).
قُلت: فيه عطيةُ، وهو ابن سعد العوفي.
قال الحافظ الذهبي - رحمه الله - في "ميزان الاعتدال" (2/ 436) ترجمة (4139): "مُجمَع على ضعْفه" ا.هـ.
وفيه أبو العلاء خالد بن طهمان، وكان قد اختلط.
4 - حديث زيد بن أرقم:
أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" (6/34)، وأبو نعيم في "دلائل النبوة" (ص: 320).
عن زيدِ بن
أرقمَ قال: كُنتُ مع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في بعض سِكك
المدينة، فمررْنا بخباء أعرابي فإذا ظبية مشدودة إلى الخباء، فقالت: يا
رسولَ الله، إنَّ هذا الأعرابي صادني قبيلاً، ولي خشفان في البرية وقد
تعقَّد هذا اللبن في أخلاقي، فلا هو يَذْبحني فأستريح، ولا يَدَعني فأذهبَ
إلى خشفي في البرية، فقال لها رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: إن
تركتُك تَرجِعين؟، قالت: نعمْ، وإلا عذَّبني الله عذاب العشار، فأطلقها
رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلم تلبثْ أن جاءتْ تلمَّظ فشدَّها
رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى الخباء، وأقبل الأعرابيُّ ومعه
قربة، فقال له رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أتَبِيعنيها؟ قال:
هي لك يا رسولَ الله، فأطلقها رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.
قال زيد بن
أرقم: فأنا واللهِ رأيتُها تَسيح في الأرض، وهي تقول: أشهد أن لا إله إلا
الله، وأنَّ محمدًا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.
في إسناده
الهيثم بن جماز، وقد حرَّفه محقق "دلائل النبوة" للبيهقي، وهو د. قلعجي إلى
(ابن حماد) وجعلَه عن أبي كثير، والصواب أنَّه عن يحيى بن أبي كثير،
فلعلَّه تبع في ذلك ما في المطبوع من "دلائل النبوة" لأبي نُعيم، ففيها ما
في نسخة قلعجي، وابن جماز قال عنه الذهبي في "المغني في الضعفاء" (2/ 715)
ترجمة 6793: "قال أحمد والنسائي: متروك" ا.هـ.
وقد اكْتفى
الحافظُ الهيثمي في "مجمع الزوائد"، والحافظ السيوطي بإجمالِ الضعْف في
رِواياته، ولم يبينا أنه شديد، وأن تعدُّد الطرق لا يُقوِّيها، ولا يرفعها؛
بل لا يَزيدها إلا وهنًا، والله أعلم.
في بقية النُّسخ المخطوطة والمطبوعتين (الممتدين) من المدد، وهو الأقرب للصواب؛ لقوله بعد ذلك: "منه بتحفة الأمداد".
والمدد: ما يُمدُّ به الشيء، فيقال: مددتُه بمَدَد، يعني: قويته وأعنتُه به.
والنبي -
صلَّى الله عليه وسلَّم - يكون سببًا في مدِّ أصحابه بالهداية والنفْع حالَ
حياته، أمَّا طلب العون والاستعانة به بعدَ مماته، فهذا لا يجوز، فإنَّ
النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا ينفع بنفسه حالَ حياته، وإنما ينفع
بإذن الله له بالنفع، أما وقد مات فيُنتفع بما ترَك مِن سُنن وهَدي، أما
مَن يطلب المدد منه ويستعين به بذاته بعدَ مماته فهذا يقال له: إنَّ النبي -
صلَّى الله عليه وسلَّم - قد قال عن نفسه حالَ حياته: ﴿ قُلْ
لاَ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللّهُ
وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا
مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ
يُؤْمِنُونَ ﴾ [سورة الأعراف: 188].
* في مطبوع القاضي والضباع: (اتَّبعوه).
* يوم التناد؛ يعني: يوم القيامة، حين يُنادي أهل الجنة أهل النار: ﴿ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ... ﴾ [الأعراف: 44] إلى آخر الآيات.
* وفي بقية النسخ المخطوطة والمطبوعة: (في ذلك).
* وهذا مسلك كثير من العلماء، وقدْ كان سببًا لكتابة عدد كبيرٍ من المؤلفات،
فهم يَكتبون استجابةً ومحبَّةً لطلب بعضِ الأحباب، أو راغبي التعلُّم، أو
لطلب بعضِ أهل السُّنة لمدافعة أهل البِدع والشر.
قال العمريطي في أول (نظم الورقات):
وَقَدْ سُئِلْتُ مُدَّةً فِي نَظْمِهِ
![]()
مُسَهِّلاً لِحِفْظِهِ وَفَهْمِهِ
![]()
فَلَمْ أَجِدْ مِمَّا سُئِلْتُ بُدَّا
![]()
وَقَدْ شَرَعْتُ فِيهِ مُسْتَمِدَّا
![]()
مِنْ رَبِّنَا التَّوْفِيقَ لِلصَّوَابِ
![]()
وَالنَّفْعَ فِي الدَّارَيْنِ بِالكِتَابِ
![]() |
وقال العلامة حافظ بن أحمد حكمي - رحمه الله - عن سببِ نظمه لتُحفته (سلم الوصول):
سَأَلَنِي إِيَّاهُ مَنْ لاَ بُدَّ لِي
![]()
مِنَ امْتِثَالِ سُؤْلِهِ الْمُمْتَثَلِ
![]() |
وهذا شيخ
الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - صنَّف "العقيدة الواسطية" لما حضَر إليه
واحدٌ من قضاة (واسط)، وشَكا إليه ما كان الناسُ يعانونه من المذاهب
المنحرِفة فيما يتعلَّق بأسماءِ الله وصفاته، فكتَب هذه العقيدة التي انتفع
بها الناسُ مِن بعده إلى يومنا هذا، والتي تعدُّ مجمعَ اعتقاد أهل
السُّنَّة، وحِصْنهم المنيع الذي تتكسَّر عنده مذاهبُ أهل الأهواء والبدع.
وإلى مِثل
هذا أشار الحافظُ ابن حجر - رحمه الله - لَمَّا طُلب منه كتابةُ متن في
(مصطلح الحديث)، فكتب "نخبة الفِكَر"، ثم أشار عليه بعضُهم بكتابة شرْح
يُبيِّن مُجملَه، ويفكُّ مغلَقَه، فصنَّف نخبة الفِكر أولاً: ثم شرَحَها في
نُزْهه النظر.
قال الحافظ في "نخبة الفكر" (ص: 13) - بهامش نزهة النظر -:
"أمَّا
بعد: فإنَّ التصانيفَ في اصطلاح أهلِ الحديث قد كثُرت، وبُسطت، واختصرت،
فسألني بعضُ الإخوان أن ألخِّص لهم المهمَّ من ذلك فأجبتُه؛ رجاءَ الاندراج
في تلك المسالك" ا.هـ.
وقال في
"نزهة النظر" (ص: 14): "فرغِب إليَّ ثانيةً أن أضعَ عليها شرحًا يحلُّ
رموزَها، ويفتح كنوزَها، ويوضِّح ما خفِي على المبتدئ مِن ذلك" ا.هـ
* شيخ الجمزوري هو نور الدين علي بن عمر بن ناجي بن فنيش الميهي، والميهي نِسبة إلى بلدة (الميه) بمحافظة المنوفيَّة بمصر.
ولد بها
سَنَة ألف ومائة وتسع وثلاثين هجريًّا، وهو من رِجالات الأزهر، حيث تعلَّم
به، ثم انتقل بعدَ ذلك إلى مدينة "طنطا" وجلَس فيها في الجامع الأحمدي
ودرَّس شيئًا من العلوم والقراءات، حتى تُوفي سنة أربع ومائتين وألف من
الهجرة، وابنه الذي أخَذ عنه شرحَ التحفة، واختصره هو: "محمد الميهي"، لم
أجدْ أحدًا توسَّع في ترجمته كما توسَّعوا في ترجمة أبيه، فلا أعلمُ عنه
سوى أنَّه كان موجودًا في أواخر القرن الحادي عشرَ وأوائل القرن الثاني عشر
الهجريَّين، وقد طُبِع شرحه للتحفة الذي أشار إليه الجمزوري أكثرَ من
مرَّة، وأجودها طبعة مكتبة أولاد الشيخ بتحقيق جمال ابن السيِّد رفاعي.
* في مطبوعة الضباع: (شرح).
* ما بين القوسين في المخطوط (د): (بالبسملة).
* ما بين القوسين في المخطوط (د): (الحديث).
آخر اللوحة (2) من المخطوط (ج) وآخر للوحة (1)، من المخطوط (د).
* وقوله: (عملاً بالأحاديث)؛ يعني الفعلية كابتداء النبيِّ - صلَّى الله
عليه وسلَّم - رَسائلَه إلى الملوك وغيرهم بالبسملة، وبدْئِه - صلَّى الله
عليه وسلَّم - الكلامَ بالحمد، ولم يصحَّ في هذا الباب حديثٌ في الأمر
بهما، سواء على سبيلِ الوجوب أو الندب، وإنَّما الذي صحَّ هو فِعْله -
صلَّى الله عليه وسلَّم - كما مرَّ آنفًا.
* ما بين القوسين في المخطوط (د): (ما ذُكر).
* يعني: شرح محمد الميهي الذي أشرتُ إليه آنفًا.
* في (أ)، و(ج) و(د)، لا يشركه.
* في (ج) ومطبوع القاضي، ومطبوع الضباع: (يُنزل).
* ما بين القوسين زيادة من المخطوط (د).
* ما بين القوسين في (أ) و (د) ومطبوع القاضي، وساقط من (ب)، (ج).
* وفي مطبوع القاضي: (اتبع).
* ما بين القوسين في المخطوط (د): (فهذا).
* ما بين القوسين زيادة من (أ) ومطبوع القاضي، وفي المخطوط (د): (أي).
* ما بين القوسين ساقط من المخطوط (د).
* آخر اللوحة (3) من المخطوط (ج).
* ما بين القوسين في المخطوط (د): (سميتها)، والصواب ما أثبتناه.
* ما بين القوسين من مطبوع القاضي، ومطبوع الضباع، وهو في (أ)، و(د) (تخصيصهم بالشيء الحسن)، وفي (ب) , و(ج) (التحفة: الشيء الحسن).
* وهو في (ج) ومطبوع القاضي، ومطبوع الضباع: (بهم).
* ما بين القوسين من (د)، وفي بقية المخطوط والمطبوع: (والمراد).
* ما بين القوسين ليس في (أ).
* وهذا مِن تواضع المؤلِّف، فلو كان كما قال ما جاز لنا أن نُحصِّل ممَّا كتب شيئًا: ومثله قول الشرف العمريطي في أول (نظم الورقات).
قَالَ الفَقِيرُ الشَّرَفُ العِمْرِيطِي
![]()
ذُو العَجْزِ وَالتَّقْصِيرِ وَالتَّفْرِيطِ
![]() |
قال
العلامة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في "شرح نظم الورقات" (ص:
18)، وقال ذلك - رحمه الله - تواضعًا منه، وإلا فلا نظنُّ أنَّه على هذا
الوصف، ولو ظننَّا أنه على هذا الوصف لم ننتفعْ بكتابه، ولكن هذا من باب
التواضِع" ا.هـ.
* ما بين القوسين زيادة من (ج).
* ما بين القوسين في (د): (حمد).
* في (أ) و (د)، وفي مطبوع الضباع: (فنيش).
* آخر اللوحة (2) من المخطوط (د).
* آخر اللوحة (2)، من المخطوط (ب).
* هذا الكلام فيه غلوٌّ يبلغ حدَّ التأليه، فمَن ذا الذي أُوتي كمال الذات والصِّفات من المخلوقين؟!
لذا اقترَح بعضُ طلاب العلم أن يُعدَّل البيت إلى:
سَمَّيْتُهُ بِتُحْفَةِ الأَطْفَالِ
![]()
عَنْ شَيْخِنَا المِيهِيِّ ذِي الجَمَالِ
![]() |
* ما بين القوسين من (أ) ومطبوع القاضي، ومطبوع الضباع، وفي (ب)، و(ج): (مؤمل)، وفي (د): (أؤمل).
* ما بين القوسين في المخطوط (د): (الجزاء).
* آخر اللوحة (2)، من المخطوط (أ).
* في (ج) ومطبوع القاضي، ومطبوع الضباع: (به على من).
* آخر اللوحة (4) من المخطوط (ج)، ويقصد بالشهاب هنا ملاَّ علي القاري - رحمه الله.
* ما بين القوسين زيادة من مطبوع الضباع، وفي المخطوط (د): (والله سبحانه وتعالى أعلم).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق